نظرية التعلم السوسيوبنائية
(نظرية التعلم الاجتماعي)
مفهومها:
نظرية التعلم السوسيوبنائية أو نظرية التعلم الاجتماعي أو البنائية الاجتماعية، (بالإنجليزية: Social constructivism)، (بالفرنسية: le socio constructivisme ) هي نظرية تربوية تؤكد على أهمية التفاعل الاجتماعي في بناء المعرفة، وتعتبر هذه النظرية تطورا للنظرية البنائية المعرفية للعالم "جان بياجيه"، إلا أنها تعطي أهمية كبيرة للعوامل الثقافية والاجتماعية في عملية التعلم لدى الفرد، ويرتبط تطورها بشكل رئيسي بالعالم النفسي " فيغوتسكي".
إذن فما هي أهم مبادئ النظرية السوسيوبنائية، وما تطبيقاتها التربوية في التعليم؟
أولا: أهم مبادئ نظرية التعلم السوسيوبنائية:
1. التعلم كعملية اجتماعية:
المعرفة لا تُبنى بشكل فردي فحسب، بل تتشكل وتتطور من خلال التفاعل والتجاوب مع الآخرين، مثل : المدرسين والعائلة و الأصدقاء والأقران. و تعتبر اللغة والتواصل من الوسائل الأساسية والمهمة لنقل المعرفة بين الأجيال.
2. منطقة النمو القريب (ZPD):
يشير هذا المفهوم إلى الفجوة بين ما يمكن أن يتعلمه الفرد بمفرده وما يمكن تعلمه بمساعدة شخص آخر وأكثر خبرة منه مثل: المدرس أو الصديق أو شخص بالغ ذو تجربة.
يحدث التعلم عندما يحصل الفرد على الدعم المناسب المسمى بـ(الدعم التوجيهي)، حتى يصبح الفرد مستغنيا على الأخرين و قادرا على الاعتماد على نفسه في جميع المواقف.
3. دور اللغة في التعلم:
يرى " فيغوتسكي" أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل لها دور كبير، وأداة أساسية في استخدام الفكر وتنمية العمليات المعرفية لدى الفرد.
يعتبر الكلام الداخلي(Discours intérieur) مرحلة من مراحل التعلم الفعال، حيث يصبح الفرد قادرا على التفكير بشكل مستقل دون الاستعانة بالآخر.
4. المعرفة تُبنى ولا تُنقل:
وعلى النقيض من النظريات التقليدية "الكلاسيكية" التي تعتبر التعلم عملية نقل المعلومات من المدرس إلى المتعلم ، فإن "السوسيوبنائية" تعتبر أن المتعلم يساهم في بناء المعرفة استنادا على تجاربه السالفة وتفاعلاته مع المجتمع .
5. التعلم مرتبط بالثقافة المحيطة:
تتأثر عملية التعلم بالبيئة الاجتماعية والثقافة المحيطة بالمتعلم، إذ تختلف أساليب التعلم وبناء المعرفة بين المجتمعات تبعاً للعادات والتقاليد المتبعة وتجارب الحياة بصفة عامة، وهذا يؤثر بشكل مباشر في تشكيل المعرفة لدى المتعلم.
ثانيا: تطبيقاتها التربوية في التعليم:
1. التعلم التعاوني: (Apprentissage collaboratif)
تعمل النظرية السوسيوبنائية على تعزيز التعلم التعاوني، حيث يتفاعل المتعلمون مع بعضهم البعض، لتبادل الأفكار وحل المشكلات بشكل جماعي مشترك.
2. التعلم القائم على المشاريع:
يشارك المتعلمون في مشاريع مختلف تتطلب التعاون والبحث و التفكير ، والنقد البناء والاجتهاد ، مما يجعل التعلم أكثر ارتباطا بالواقع الحياتي المعاش.
3.استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم:
تساعد التطبيقات التفاعلية و الفصول الدراسية الافتراضية وكذا المنتديات على تعزيز التعلم عبر الإنترنت ( Social Learning Online).
إن دمج التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية التعلمية أو في المناهج بصفة عامة، يعد من الأساليب الذكية والمبتكرة التي لها أثر إيجابي على التحصيل الدراسي وبناء المعرفة، ذلك من خلال إنشاء مجموعات صفية على المنصات المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي ، حيث يتم نشر فيها دروس ومقالات وتمارين للمناقشة أو لإعدادها (الاعداد القبلي) قبل إلتحاق المتعلم بالفصل.
4. المدرس "مرشد" وليس "مصدر للمعلومات ".
في هذه النظرية لا يقتصر دور المدرس على تقديم المعلومات الجاهزة ، بل يتولى مهمة الإرشاد والتوجيه ودعم طلبته أثناء عملية التعليم والتعلم.
ثالثا: الانتقادات الموجهة للنظرية السوسيوبنائية:
- قد يواجه المتعلمون الذين يفتقرون إلى مهارات التواصل صعوبة في الاستفادة من التعلم وبناء المعرفة.
- يفضل بعض الطلاب أسلوب التعلم الفردي بدلا من المشاركة في الأنشطة الجماعية.
- التحديات المتعلقة بتطبيقه في الفصول الدراسية؛ تتطلب هذه النظرية مدرسين مدربين تدريبا جيدا، ولهم دراية جيدة بطرق التدريس الحديثة والمستفيدين من التكوين المستمر.
- قد يكون من الصعب تقديم الدعم الفردي لكل متعلم (نظرا للاكتظاظ التي تعرفه بعض المؤسسات).
- قد لا تكون مناسبة لجميع المتعلمين، بحيث تعتمد بشكل كبير على السياق الثقافي الاجتماعي، لكن في بعض الثقافات، قد لا يكون التفاعل الاجتماعي الوسيلة الأساسية لاكتساب المعرفة وبنائها على الشكل المطلوب، مما قد يؤثر سلبا على فعالية تطبيق هذه النظرية في الواقع.
الخلاصة:
تؤكد نظرية السوسيوبنائية أو نظرية التعلم الاجتماعي أن التعلم هو عملية اجتماعية تعتمد على التفاعل الثقافي واللغوي، و تستند إلى مفاهيم مثل: منطقة النمو القريب و التعلم كعملية اجتماعية والتعلم التعاوني، مما يجعلها من النظريات الرائدة في مجال التربية والتعليم الحديث، بالرغم من بعض التحديات.
ذ. رضوان بوطويل
تعليقات
إرسال تعليق