تعتبر النظرية الجشطالتية من المدارس النفسية التي نشأت في بداية القرن العشرين، وبالتحديد في ألمانيا، كحركة فريدة تركزت على دراسة الإدراك والسلوك البشري بشكل شامل. أسّس هذه المدرسة مجموعة من العلماء البارزين، من بينهم: "ماكس فيرتهايمر" و "كوهلر" و "كورت كوفكا".
المبادئ الأساسية للمدرسة الجشطالتية:
1. الكل أكبر من مجموع أجزائه:
ترى المدرسة أن الإدراك البشري يتعامل مع المواقف ككل متكامل، وليس كتركيبة من أجزاء منفصلة.
على سبيل المثال، عند مشاهدة لوحة فنية، ندركها ككل وليس كعناصر فردية مثل الألوان أو الأشكال الخ..
2. القوانين الأساسية للإدراك في نظر هذه المدرسة:
قدمت الجشطالتية مجموعة من القوانين التي تفسر كيفية إدراك الإنسان للمثيرات، مثل:
- الاستمرارية: يتم إدراك الخطوط أو الأنماط كأنها متصلة حتى لو كانت منقطعة.
- التقارب: الأشياء القريبة تُدرك كمجموعة.
- الإغلاق: يميل العقل إلى إكمال الصور الناقصة الغير المكتملة.
- التشابه: الأشياء المتشابهة تُدرك كمجموعة .
3. الإدراك الموجه نحو الهدف:
يدرك الإنسان المثيرات بناءً على السياق ( أو الهدف) الذي يسعى لتحقيقه، وليس فقط بناءً على المثير.
4. التعلم وحل المشكلات:المعقدة:
أكدت النظرية الجشطالتية على أهمية التعلم الذي يعتمد على الفهم والوعي، بدلاً من الحفظ والتكرار.
عندما يواجه الفرد مشكلة، يسعى عقله لفهم العلاقات بين مكوناتها للوصول إلى حل جدري.
5. التنظيم والتوازن:
يسعى العقل دائماً لتحقيق التوازن والتنظيم في إدراكه للأشياء، مما يعني أنه يميل إلى إعادة تنظيم المعلومات لتكون أكثر انسجاما و وضوحاً.
6. البصيرة
يعتمد التعلم على "لحظة البصيرة"، وهي تلك اللحظة التي يدرك فيها الفرد فجأة العلاقة بين عناصر المشكلة، مما يؤدي إلى إيجاد الحل.
على سبيل المثال: أظهرت تجربة "كوهلر" مع القردة بحيث هذه الأخيرة لم تعتمد فقط على التجربة والخطأ، بل توصلت إلى الحل من خلال فهم مفاجئ للعلاقات بين الأشياء.
7. الدافعية نحو التوازن(Equilibrium):
يسعى العقل دائماً لتحقيق التوازن والتخلص من التوتر عند مواجهة مشكلات أو مواقف ما، خصوصا عندما يحدث اختلال (مثل عدم اكتمال الصورة أم عدم وضوحها)، يعمل العقل على تنظيم العناصر لاستعادة التوازن والانسجام.
8. الخبرة الشاملة ( Holistic Experience) :
تُفهم التجربة الإنسانية بشكل كلي وليس من خلال تحليل عناصرها الصغيرة. تركز الجشطالتية على فهم الخبرة كما تُعاش بشكل مباشر، بدلاً من تفكيكها.
9. الانتقال من الكل إلى الجزء:
ترى الجشطالتية أن إدراك الكل يسبق إدراك التفاصيل. لذا، فإن فهم الكل يسهم في تفسير الأجزاء بشكل أفضل وأكثر وضوحا.
10. التعلم ذو معنى (مغزى):
لا يتم التعلم من خلال التكرار أو الحفظ، بل من خلال فهم العلاقة بين عناصر الموقف. يعتمد التعلم بالجشطالت على بناء فهم عميق للمادة بدلاً من مجرد تخزين المعلومات (كالسلوكية).
تأثير المدرسة الجشطالتية:
كان للمدرسة تأثير كبير على علم النفس المعاصر، خاصة في التعليم والعلاج النفسي والتصميم والفنون..
قدمت الجشطالتية إطاراً لفهم الإدراك البصري والمعرفي، مما ساهم في تطوير مجالات عدة مثل :علم النفس المعرفي والاجتماعي.
الانتقادات الرئيسية الموجهة إليها:
· التركيز على الإدراك بشكل مبالغ فيه:
ركزت بشكل مفرط على "الإدراك " وتجاهلت بعض الجوانب الأخرى للسلوك البشري مثل: العواطف والدوافع، كما اعتُبرت مبادئها عامة وغير قابلة للاختبار العلمي بدقة في بعض الأحيان.
· نقص المنهجية العلمية الدقيقة:
يشير النقاد إلى أن الجشطالتية تعتمد على مبادئ عامة يصعب اختبارها بشكل تجريبي. على الرغم من أن قوانين الإدراك مثل "قانون الإغلاق" و"قانون التقارب" تبدو بديهية، إلا أنها تفتقر أحياناً إلى معايير تجريبية صارمة لدعم صحتها.
· تجاهل الاختلافات الفردية:
تفترض الجشطالتية أن العمليات الإدراكية تعمل بنفس الطريقة لدى جميع الأفراد، لكنها لم تأخذ في الاعتبار الاختلافات الفردية التي قد تؤثر على الإدراك والتعلم.
· التقليل من أهمية التعلم التدريجي:
اعتبرت النظرية أن التعلم يحدث بشكل مفاجئ من خلال "البصيرة"، متجاهلة أشكال التعلم الأخرى مثل التعلم التدريجي عبر التجربة والخطأ أو التعلم القائم على التعزيز، وهي نظريات أثبتت فعاليتها في تفسير العديد من السلوكيات.
· إغفال البيئة والتأثيرات الاجتماعية:
ركزت النظرية بشكل أساسي على العمليات الإدراكية دون النظر إلى تأثير البيئة والعوامل الاجتماعية.
ذ . رضوان بوطويل
تعليقات
إرسال تعليق